فقدان الهيبة- حادث رئيسي يكشف نقاط ضعف إيران ويكشف عن الحاجة إلى التغيير

الجدل الدائر حول طبيعة حادثة وفاة الرئيس الإيراني، سواء كانت حادثًا عرضيًا أم عملية اغتيال مُدبَّرة، لا يعدو كونه ضربًا من الخيال، ومن نسج خيوط نظريات المؤامرة. فليس هناك ما يستدعي تصديق هذه الفرضيات، خاصة بالنظر إلى حيثيات الأمور.
لم يكن الرئيس الإيراني الراحل شخصية محورية أو فاعلة بصورة مؤثرة في معادلات القوى في منطقة الشرق الأوسط، على غرار شخصية قاسم سليماني. كما أن سياساته، في جوهرها، لم تكن تتسم بالعدوانية أو الهجومية بالقدر الكافي الذي يُشعل فتيل التوترات الإقليمية ويؤجج الصراعات. وبناءً على ذلك، من غير المرجح أن يكون هدفًا مغريًا لإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن فكرة اغتياله من قبل قوى أجنبية تبقى مستبعدة وغير منطقية. وقد صرّحت الجهات الرسمية في إيران بالفعل بعدم وجود أي صلة لإسرائيل بهذا الحادث المؤسف. وحتى لو كانت إسرائيل متورطة بشكل أو بآخر، فمن المستبعد أن تعلن إيران عن ذلك صراحة، نظرًا للحساسيات السياسية والإقليمية المعقدة.
في الواقع، كان رئيسي يمثل سياسيًا مُطيعًا ومنفذًا لتوجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي في السياسة الداخلية لإيران، ولم يكن يتبنى مواقف متشددة تدعو إلى التغيير الجذري أو الإصلاحات العميقة. ولهذا السبب، كان يُنظر إليه على أنه أحد الأسماء المطروحة لخلافة خامنئي في المستقبل. وبالتالي، لم يكن يشكل تهديدًا للدولة العميقة في إيران، ولم يكن هناك أي مبرر أو دافع لتصفيته عن طريق الاغتيال.
نظام مستقرّ
إن الادعاء بأن وفاة الرئيس الإيراني ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار أو إحداث فوضى أو تغيير في بنيان النظام السياسي في إيران، يعكس جهلًا عميقًا بطبيعة النظام الإيراني. فقد سارع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى استباق الأمور، حتى قبل العثور على جثة الرئيس، وأكد أن "إدارة شؤون البلاد لن تتأثر". وعقب الإعلان الرسمي عن وفاة رئيسي، تم على الفور تعيين نائبه محمد مخبر رئيسًا مؤقتًا، وتم الإعلان عن تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية خلال فترة لا تتجاوز 50 يومًا. وهذا خير دليل على وجود مؤسسات حكومية راسخة وتقاليد سياسية متجذرة في إيران، وأن خامنئي، بوصفه صاحب السلطة العليا، قد أحكم قبضته على زمام الأمور وسيطر على مجريات الأحداث.
لا يبدو إطلاقًا أن وفاة رئيسي ستؤدي إلى إثارة نقاشات حادة حول مستقبل النظام السياسي في إيران أو توليد رياح تغيير جذرية. فحتى أثناء حادثة "مهسا أميني" المؤسفة، التي شهدت احتجاجات واسعة النطاق استمرت لأيام عديدة، لم يشهد النظام أي تصدعات جوهرية أو مرونة حقيقية. وديناميكيات الحادث الراهن لا تبدو قوية بالقدر الكافي لإحداث أي تحولات أو تغييرات جوهرية.
ومما لا شك فيه أن وفاة رئيس دولة في حادث تحطم طائرة مروحية قديمة ومتهالكة تفتقر إلى التجهيزات والتقنيات الحديثة، تُعد خسارة فادحة للهيبة والسمعة. وسوف تعاني إيران من هذا الإحراج لفترة ليست بالقصيرة. وإذا كانت المروحية العسكرية غير قادرة على نقل رئيس الدولة بأمان وسلامة، فإن ذلك سيثير العديد من التساؤلات المشروعة حول كفاءة وقدرات الجيش الإيراني.
خسارة كبيرة
لا شك أن وفاة رئيس دولة في حادث تحطم مروحية يمثل خسارة كبيرة لهيبة الدولة ومكانتها، ولكن عدم العثور على حطام الطائرة وموقع الحادث على الفور يُعد ضررًا بالغًا ومضاعفًا. فقد كشف هذا الحادث عن وجود قصور واضح في التدابير الأمنية والتجهيزات الحديثة والقدرات اللوجستية، مما أدى إلى تضرر الصورة العامة والمصداقية بشكل أكبر.
دأبت إيران على استخدام الخطابات الحماسية والأفلام الدعائية والتهديدات المتبادلة كسياسة لتوحيد الرأي العام الداخلي في أوقات الأزمات مع إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من كل عروض الصواريخ والطائرات المسيرة المتطورة والأجهزة العسكرية الحديثة، فقد ظهر عكس ذلك تمامًا في هذا الحادث المؤسف. فالقدرات العسكرية التي لا تستطيع حماية رئيس الدولة ونقله بأمان، أو تحديد موقع الحادث في وقت معقول، أو الوصول إلى الرئيس المنكوب لعدة ساعات، ستظل موضع نقاش وتساؤل لفترة طويلة.
وفي سياق المنافسة الخفية والمستمرة منذ قرون بين إيران وتركيا، يمثل هذا الحادث نقطة تحول مهمة. فقد اضطرت إيران إلى طلب طائرة مسيرة متطورة من طراز "أقنجي"، بالإضافة إلى مروحية ليلية، من تركيا. وقد نجحت الطائرة المسيرة "أقنجي" في تحديد موقع الرئيس الإيراني الراحل، وإبلاغ السلطات الإيرانية المختصة. وبفضل ذلك، تمكنت فرق الإنقاذ الإيرانية من الوصول إلى جثمان رئيسي وبقية الضحايا.
فقدان الهيبة
ستضطر إيران إلى إعادة تقييم وضعها الحالي بعد هذا الحادث المأساوي. فبسبب العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة من الغرب، لا تستطيع تحديث أسطول طائراتها المتهالك، ولا تجد قطع الغيار اللازمة، ولا تستطيع تطوير أنظمتها الدفاعية.
ومع ذلك، فإن إيران لا تبدي أي رغبة في التعاون مع الدول الإسلامية الأخرى لتلبية هذه الاحتياجات الملحة، لأنها تعتبر جميع الدول الإسلامية السنية تقريبًا منافسة لها، وخاصة تركيا، التي تمتلك صناعات دفاعية متطورة وبنية تحتية تكنولوجية قادرة على تلبية الكثير من احتياجاتها. ولكن إيران فضلت الدخول في منافسة مع تركيا بدلًا من إقامة علاقات تعاون بناءة. وكانت النتيجة النهائية فقدانًا هائلًا للسمعة والمصداقية.
إذا كانت إيران تطمح إلى تحسين علاقاتها مع جيرانها ودول المنطقة، وتقليل الأضرار الناجمة عن العقوبات الاقتصادية، فيجب عليها أن تتوقف عن تبني سياسات توسعية، وأن تكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأن تنهي علاقاتها المشبوهة مع الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وأن تتخلى عن فكرة التوسع الفارسي.
إذا أدى هذا الحادث المأساوي إلى عملية نقد وتقييم ذاتي عميقة في إيران، فإنه يمكن حينها بناء نظام أكثر متانة واستقرارًا في المنطقة. ومع ذلك، فإن الظاهر من مجريات الأحداث يشير إلى أن هذا الاحتمال ضعيف للغاية ومستبعد.
